الحسين بكار السباعي
خلفية تاريخية:
ظلت الصحراء المغربية تستوطنها قبائل بدوية
تعتمد التبادل التجاري (مثلت تجارة القوافل والتجارة.
ومع بروز ظاهرة الاستعمار اوروبيا استطاعت اسبانيا احتلال الصحراء المغربية في خضم صراع أوروبي محموم على اقتسام المنطقة وفي مؤتمر برلين (1884-1885) أقرت الدول الأوربية بسيادة إسبانيا على منطقة الصحراء المغربية التي ستعلنها مدريد في وقت لاحق محافظة إسبانية لتقيم بها سلطة محلية.
غير ان مقاومة القبائل الصحراوية على كامل الامتداد الصحراوي في المغرب وحتى الشمال الموريتاني والجزائر بتنسيق مع الشيخ ماء العينين في مدينة السمارة.
ورغم اعتراف فرنسا منذ 1900 بسيادة إسبانيا على الصحراء المغربية في مفاوضات التسوية بينهما واتفاقهما سنة 1932 على ضم مناطق الساقية الحمراء ووادي الذهب أي (منطقة الصحراء المغربية) إلى التراب الإسباني.
ومع تصاعد مقاومة القبائل الصحراوية ضد المستعمر تمسك المحتل الاسباني بالمنطقة لما لها من ثروات طبيعية اعتبروها هبة العناية الإلهية لإسبانيا في منطقة هي سوق المستقبل حسب عبارات وزير الخارجية الإسباني الأسبق ألبرتو مارتين أرتاخو.
بعد ذلك بدأت تتضح توجهات الاستقلال في المغرب وموريتانيا في عامي 1956 و1958، حاولت إسبانيا التي كانت قد فقدت مستعمراتها في العالم الجديد (الأميركيتان) أن تتشبث بوجود معزول في الصحراء المغربية .
وكان الإسبان أخضعوا المنطقة الصحراوية لتقسيمات إدارية استهدفت عزل الإقليم الصحراوي عن محيطه الجغرافي الاصلي التابع للمغرب
غير أن عوامل التاريخ والجغرافيا كانت ضد المشروع الإسباني في الصحراء خاصة بعد استقلال المغرب عام 1956
فقد تقوى مطلب استرجاع الصحراء بفعل المطلب الشعبي والرسمي بقيادة جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه من خلال المسيرة
الخضراءالمظفرة.
بعدما اتجه المغرب إلى محكمة العدل الدولية التي أعطت في أكتوبر 1975 رأيا استشاريا اقرت به وجود روابط تاريخية تجمع المغرب مع الصحراء وتمت “المسيرة الخضراء” باتجاه لاسترجاع الصحراء في 16 أكتوبر 1975، أي في نفس اليوم الذي صدر فيه رأي محكمة لاهاي وهو ما سرع بإتمام إسبانيا لانسحابها نهائيا.
لقد شكل انتصار المغرب باسترجاع صحرائه من نير الاحتلال الاسباني صدمة للجارة الجزائر التي بادرت بكل الطرق الى التشكيك في صدقية الموقف المغربي وشرعية استرجاعه الصحراء من خلال دعم حركة انفصالية أسستها ودعمتها
وهكذا تحولت قضية استرجاع النغرب لصحرائه الى نزاع مفتعل اسست له الجزائر وافتعلت جبهة البوليساريو كغطاء لتبرير موقفها المعادي للمغرب وهو ماكانت له تبعات على استقرار المنطقة وتماسك وحدة المغرب العربي.
النزاع المسلح:
لم تغادر إسبانيا الصحراء المغربية إلا بعد أن زرعتها ألغاما وخلافات تغذيها صراعات الأمس ومصالح اليوم ومطامح المستقبل.
فالمغرب الذي ورث عن الاستعمار حدود يعتبرها تآمرية على أرض المملكة التاريخية باقتطاع تيندوف للجزائر وكل أراضي موريتانيا المستقلة لا يمكن أن يفرط في الصحراء المغربية وهي جزءلا يتجزأ من وحدته الترابية ويمكن فهم موقف الجزائر ذات النظام الجمهوري والتوجه الثوري ترى في ضم إقليم الصحراء إلى المملكة المغربية التي تصفها بأنها ذات أطماع توسعية أصلا في الجزائر وسبق أن خاضت معها “حرب الرمال” سنة 1963 على السيادة في منطقة تيندوف بعد استقلالها بعام واحد تشجيعا لهذه المطامع ودعما لموقعها الإستراتيجي على حساب الجزائر منافستها على زعامة المنطقة.
ولذلك فإن الجزائر التي رأت نفسها معنية بتطور النزاع كان خيارها الأفضل هو تبني أطروحة تقرير المصير للشعب الصحراوي والتشبث بمبدأ استقلال الصحراء، فقررت دعم البوليساريو عسكريا ولوجستيا.
عام 1976 تأسست جمهورية الوهم التي ظل مقرها قائما في تيندوف جنوبي الجزائر ولم تلق اعترافا من الأمم المتحدة لكنها نالت اعتراف بعض الدول الأفريقية.
وهكذا فبدخول المغرب الصحراء تطبيقا لاتفاقية مدريد دوّت المدافع بين مقاتلي بوليساريو مدعومة بالجزائر وليبيا من جهة والقوات المغربية والموريتانية من جهة ثانية؛ مؤذنة باندلاع حرب اشتعلت خلال 1975-1988، وإن انسحبت موريتانيا منها 1979
الكركرات:
في أكتوبر 2020 اقتحمت عناصر البوليساريو الجدار الأمني وأوقفت حركة المرور بمعبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا لأسابيع وهو المعبر الذي يعتبر شريان الحياة الرئيسي لمرور مختلف البضائع من المغرب لجارته الجنوبية
وفي نونبر 2020 أعلنت السلطات المغربية أن قواتها المسلحة بادرت إلى التدخل وتأمين استئناف الحركة بالكركرات هذه العملية تهدف إعادة فتح معبر الكركرات تمت بعد أن استنفد المغرب جميع الخيارات السلمية لإقناع ما وصفها بمليشيات البوليساريو بالانسحاب من المنطقة.
المغرب أمر قواته بالتدخل لإنشاء جدار رملي عازل يحمي المنطقة من الاختراقات مستقبلا، نظرا للأهمية الإستراتيجية لهذا الخط.
هذا الخط إستراتيجي ومهم جدا لحركة المدنيين وللحركة التجارية”، معتبرا أن إغلاق البوليساريو للمعبر “يعد انتهاكا صارخا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي كانت قد رعته الأمم المتحدة”، مؤكدا أن “الشعب المغربي بكل قواه السياسية والمدنية معبأ في هذه القضية للدفاع عن سيادة المغرب وحقوقه وحدوده.
وأعلن تنظيم البوليساريو أنه لم يعد ملتزما باتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1991، وواصل استفزازته للمغرب الذي طهر المنطقة من هذه الاعمال الطائشة.
ومباشرة بعد تدخل الجيش المغربي عادت حركة السير استئنفت بشكل عادي بمعبر الكركرات، وأن عشرات الشاحنات التجارية عبرت في الاتجاهين دون مشاكل.
وقام الجيش المغربي بإنشاء جدار وحزام آمن لتأمين الطريق الرابط بين المعبرين الحدوديين للمغرب وموريتانيا.
المساعي الدولية:
لم تشرع الأمم المتحدة بشكل جدي في البحث عن حل للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية إلا بعد عقد من الزمن من اندلاع الحرب بين أطراف الأزمة؛ فقد كانت منظمة الوحدة الأفريقية هي الهيئة التي بادرت إلى إيجاد حل تصالحي في الصحراء منذ اشتعال الحرب، وخاصة في مؤتمرها التاسع عشر المنعقد بأديس أبابا عام 1983.
لكن انسحاب المغرب عام 1984 من المنظمة -عندما اعترفت بـ”الجمهورية الوهم عضوا فيها حال دون وصول مساعي المنظمة الأفريقية إلى أي حل، وحينئذ حلت منظمة الأمم المتحدة محل المنظمة الأفريقية.
فقد شهدت سنة 1988 انتقال عملية حل نزاع الصحراء من المنظمة الأفريقية إلى الأمم المتحدة التي كانت -حتى ذلك التاريخ- تكتفي بإصدار توصيات تدعو لحل سياسي عادل للقضية.
مقترح خطة الاستفتاء:
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اتخذت قرارها رقم 40/50 في ديسمبر/كانون الأول 1985 بشأن أزمة الصحراء، ونص على تكليف الأمين العام للمنظمة الدولية بالعمل على إيجاد حل يرضي أطراف النزاع، على أن تكون بداية المساعي التوصل لوقف إطلاق النار الذي يعتبر -حسب القرار- شرطا أساسيا لأي عمل سلمي.
وقد طرح الأمين العام السابق للأمم المتحدة خافيير ديكويلار في صيف 1988 على المغرب والبوليساريو خطة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء. وسيقود هذا التصور في حالة إجراء الاستفتاء إلى أحد خيارين: إما الانضمام إلى المغرب أو الاستقلال عنه. ولقيت خطة ديكويلار نجاحا في البداية تمثل في:
قبول الطرفين بالخطة في 30 غشت 1988
الموافقة على وقف إطلاق النار، وقد سكتت المدافع في الإقليم فعليا منذ سبتمبر 1991.
إنشاء بعثة الأمم المتحد”المينورسو”:
بتاريخ 30 غشت 1988 بقرار من مجلس الأمن الدولي يحمل الرقم 690/1991، وطبقا لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة رقم (S/22464).
الاتفاقات التي يراها المغرب مقبولة وواقعية هي الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية وهذا ما دفع بالأمم المتحدة إلى تقديم “اتفاق الإطار العام أو الحل الثالث، وينص على أن تمنح الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا موسعا مع البقاء تحت الحكم المغربي.
الشق السياسي والحقوقي :
لقد كرس المغرب حقوق الانسان منذ استرجاع الصحراء من خلال احداث هيئات استشارية وحقوقية كالمجلس الوطني لحقوق الانسان ولجانه الجهوية منها ثلاث تشتغل بالصحراء قدمت مرافعات وحقائق حول تقدم الممارسة الحقوقية بالصحراء امام الهيئات الاممية والمنظمات غير حكومية التي تنشط في المجال والمغرب اذ يعبر عن انخراطه الشامل في تكريس مفهوم حقوق الانسان اسس له مرجعية قانونية من خلال الدستور حين خصص بابا كاملا للحقوق والحريات ينظمه ويؤطره وفق القانون الدولي والاعراف الدولية وتعد احداث الگركرات الاخيرة دليلا على النضج الحقوقي الذي وصل اليه المغرب من خلال تفاعل القوى السياسية كالاحزاب والهيئات المنتخبة مع المشكل والمجتمع المدني الواعي بالحقوق المدنية والسياسية التي جاءبها الدستور والتي ابانت عن شجب مجتمعي ومدني لكافة السلوكيات التي اتت عليها البوليساريو باستغلالها الدروع البشرية كواجهات تختبئ ورائها اعمالها الاستفزازية للمملكة وقطع شريط المعبر الشريان الاقتصادي والاجتماعي بين المغرب وموريتانيا ، والمغرب بحكمته وتبصر قيادته التزم ضبط النفس وتعامل مع الواقعة بنوع من الاتزان والتروي وانهى المشكل دون خسائر مادية او بشرية وهو ما اشادت به دول عديدة شقيقة وصديقة وعلى سبيل المثال لا الحصر دول مجلس التعاون الخليجي ومصر ودول افريقية والاتحاد الاوربي وتركيا وغيرها من الدول التي ترى في خطوة المغرب مصلحة وواقعية من منطلق المصلحة السيادية للمغرب وضمان التدفق الاقتصادي نحو العمق الافريقي.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان
ممثل المنظمة الدولية IOV التابعة لليونسكو بالصحراء المغربية.