عبر مغاربة العالم عن تضامن راسخ في جيناتهم مع أسرهم، حيث واصلوا ضخ الأموال رغم الركود الذي طال بلدان الاستقبال، خاصة في أوروبا، وهو الركود الذي دفع مؤسسات مثل بنك المغرب إلى توقع انخفاض تلك التحويلات، قبل أن يعود في ظل ارتفاعها إلى تعديل توقعاته.
ويصل عدد مغاربة العالم إلي حوالي خمسة ملايين، حيث يستقر 85 في المائة منهم بأوروبا، بينما يتوزع الباقي، بشكل خاص، بين أمريكا ودول مجلس التعاون الخليج.
في العام الماضي، ارتفعت تلك تحويلات مغاربة العالم بنسبة 4,5 في المائة، مقارنة بالعام الذي قبله، وهو ما فسر، بشكل عام، بالتضامن الذي يبدونه مع أسرهم في المملكة.
تدفق لا ينقطع
وأفضى مستوى التحويلات في العام الماضي بالمراقبين والمؤسسات الرسمية إلى مراقبة مدى تواصل سخاء مغاربة العالم في العام الحالي، خاصة مع عودة الحياة إلي طبيعتها نسبيا في بلدان الاستقبال وانتعاش الاقتصاد.
غير أن تلك التحويلات واصلت ارتفاعها في العام الحالي، ما دفع بنك المغرب إلى توقع أن تصل إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ المغرب، إذ بعدما راهن على أن تصل إلى 87 مليار درهم في توقعات أكتوبر الماضي، عاد في الحادي والعشرين من دجنبر، كي يقفز بها إلى 95 مليار درهم، أي حوالي 10 ملايير دولار.
وسترتفع تلك التحويلات بنسبة 38,9 في المائة في متم العام الحالي، مقارنة مع العام الماضي، عندما وصلت إلي 68,2 مليار درهم، حيث كانت زادت بنسبة 4,5 في المائة
وتتجاوز التحويلات المتوقعة من قبل بنك المغرب في العام الحالي، تلك التي يراهن عليها البنك الدولي في تقرير “موجز الهجرة والتنمية”، حيث يترقب أن تقفز تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج إلى 9,3 مليار دولار، أي حوالي 87 مليار درهم بزيادة بنسبة 25 في المائة، مقارنة بالمستوى الذي بلغته في العام الماضي.
محاولة للتفسير
ودفع السخاء الذي يبديه مغاربة العالم بنك المغرب إلى تشكيل لجنة تضم بنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية والمديرية العامة للضرائب ومكتب الصرف والمجموعة المهنية لبنوك المغرب، تنكب على دراسة أسباب الارتفاع القياسي لتحويلات مغاربة العالم.
غير أنه في انتظار الكشف عن الخلاصات التي ستتوصل إليها اللجنة، لم يتردد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، كما مراقبين آخرين في تفسير مستوى التحويلات بالتضامن، مضيفا أن الأمر قد يفسر كذلك بتكوين مغاربة العالم لمدخرات في بلدان الاستقبال، وعودة استثمارات مغاربة العالم في المملكة بسبب الركود الذي ميز الوضع الاقتصادي في بلدان الاستقبال.
وكان إنييغو موري، مؤسس مؤسسة ” ريميساس” التي تعنى بتحويلات المهاجرين و أستاذ Fintech بجامعة شيكاغو، من الأوائل الذين انتبهوا إلى دور التضامن في ارتفاع تحويلات ملغاربة العالم، غير أنه كان ردها، كذلك، إلى المساعدات التي استفاد منها المهاجرون في بلدان الاستقبال، خاصة أوروبا وأمريكا، حيث تكونت لديهم مدخرات في ظل الأزمة.
ولاحظ موري أن مغاربة العالم، حرصوا على التضامن مع أسرهم، خاصة في ظل توقف الرحلات الجوية في العام الماضي، حيث عملوا على إرسال الأموال عبر القنوات الرسمية، بعدما كانوا ينقلون معهم جزء من الأموال عند العبور إلى بلدهم، خاصة في فصل الصيف، دون أن تظهر في الإحصائيات الرسمية في الصيف.
هاجس التكلفة
أعادت تحويلات مغاربة العالم إلى الواجهة مسألة كلفتها، خاصة أن خفضها يعتبر من بين أهداف التنمية المستدامة التي حددتها منظمة الأمم المتحدة قبل عشرة أعوام، بهدف تقليص الفوارق عبر العالم.
وكانت توصية للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة حثت على خفض كلفة التحويلات إلى 3 في المائة، غير أن ذلك الهدف يبقى بعيد التحقق، حيث أن كلفة التحويلات في بلدان شمال إفريقيا، تصل، في المتوسط، حسب بيانات البنك الدولي، إلى حوالي 7 في المائة، تستفيد منها شركات التحويلات العالمية.
وقد عبر والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، عن انشغاله بكلفة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، مؤكدا على أن هناك حرصا على عدم حصول اتفاقات تضر بالمنافسة بين الشركات، في الوقت نفسه الذي طالب المؤسسات الدولية بالتنديد بممارسات الشركات المتعددة الجنسيات العاملة في القطاع.
ويتصور إنييغو موري أن تلك الكلفة تأتي ترجمة لقانون العرض والطلب، غير أنه يشدد على أن خفضها سيأتي من المنافسة التي يفترض أن تسود بين الشركات العاملة في تحويل الأموال، كأن تتعامل الأبناك مع عدد من شركات تحويل الأموال ولا تقتصر على فاعل واحد.
ويذهب موري إلى أن ” هناك احتكار الآن يفرض تكاليف جد مرتفعة، والمهاجرون عبر العالم هم الذين يتحملونها” مضيفا أن “المشكل اليوم يكمن في كون جميع التحويلات تمر عبر شركة واحدة لديها احتكار السوق وتفرض أسعارها. والمغاربة المقيمون بالخارج يؤدون ثمن هذا الاحتكار”.
ويلاحظ أنه رغم وجود بعض الشركات، التي تتوفر على خدمات تحويل متنوعة، حيث يمكن للزبناء الاختيار بين عدد من الفاعلين، غير أن ذلك لا يعكس حقيقة السوق”، موضحا أن “يكفي النظر في إلى الشركة التي يتعامل معها كل بنك من أجل تحويل الأموال، حيث سيتجلى في أغلب الحالات أنها لا تعمل سوى مع شركة واحدة”.