شهدت زيوت المائدة زيادات متواصلة منذ العام الماضي، وهي الزيادات التي يحاول الرأي الصادر اليوم الأربعاء 29 دجنبر، عن مجلس المنافسة تفسيرها، حيث خلص إلى تضافر عاملين أنتجا تلك الوضعية، متمثلين في بنية السوق والأسعار في السوق الدولية.
الشركة السباقة
يتجلى من الرأي الصادر عن مجلس المنافسة، أن تحليل المعطيات المتعلقة بقيمة الزيادة في أسعار زيوت المائدة، أن هناك تقاربا بين الشركات الثلاث الكبرى الفاعلة في السوق، وهي لوسيور كريستال ومعامل الزيوت بسوس لحسن وصافولا.
ويلاحظ أنه غالبا ما تكون الشركة الرائدة، الممثلة في لوسيور كريسطال سباقة في تحديد الأسعار الجديدة، تتبعها في ذلك وفي فترة وجيزة الشركات الأخرى المنافسة، حيث يتجلى أن الشركات المتنافسة تتبع سلوك الشركة الرائدة.
ضعف التنافسية
سجل المجلس أن المغرب يعرف خصاصا بنيويا على مستوى إنتاج الحبوب الزيتية، حيث يتم استيراد 98,7 في المائة من حاجيات البلاد من المواد الأولية الزيتية، ما يرفع فاتورة الاستيراد إلى 4 مليار درهم، وهي فاتورة تصل إلى 9 ملايير عند إضافة فاتورة استيراد السكبة.
ويلاحظ على مستوى استخلاص الزيون النباتية الخام، انطلاقا من الحبوب الزيتية، وجود شركتين فقط هما لوسيور كريستال، بفضل وحدتها الصناعية بالدار البيضاء، وشركة معامل الزيوت بسوس لحسن بفضل وحدتها الصناعية المتمركزة بعين تاوجطات.
غير أنه يعتبر أنه رغم الإمكانات الكبيرة التي يتوفر عليها قطاع استخلاص الزيوت النباتية الخام، فقد تراجع، في الأعوام الماضية، بسبب ضعف إنتاج الحبوب الزيتية، وحذف الرسوم الجمركية على واردات النباتية الخام والحبوب الزيتية.
ويشير إلى أن تلك العوامل أفضت إلى ضعف تنافسية قطاع استخلاص الزيتوت الخام، ما نتج عنه اقتصار صناعة زيوت المائدة لدى أغلب الفاعلين على تصفية الزيوت النباتية الخام المستوردة، وبالتالي عدم استغلال الطاقة الإنتاجية المتوفرة بحكم التوقف شبه كلي لهذا القطاع.
الارتهان للاستيراد
ويستورد المغرب 54 في المائة من الحاجيات من الزيوت النباتية من الاتحاد الأوروبي، تليه الأرجنتين بنسبة 34 في المائة، ثم الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 7 في المائة، حيث يلاحظ التقرير أن المغرب يعد من البلدان العشر الأوائل على مستوى استيراد الزيوت النباتية الخام.
ويرد ذلك المجلس إلى ضعف الإنتاج الوطني من الحبوب الزيتية، مما يضطر المغرب معه إلى استيراد كل حاجياته تقريبا من المواد الأولية من السوق الدولية، علما أن البلدان المنتجة في العالم، هي الأكثر استهلاكا، حيث توجه إنتاجها من الزيوت النباتية لتلبية طلبها الداخلي بالأساس.
هوامش ربح معقولة
يرى التقرير أن هوامش ربح الشركات التي تنشط في سوق إنتاج زيوت المائدة تظل معقولة، وهي تتراوح بين 4 و5 في المائة، معتبرا أن نشاط تصفية الزيوت تتميز بتنافسية كبيرة بالنظر لضعف الواردات من الزيوت المصفاة، غير أن هذه السوق تبقى محمية بفضل الحواجز غير الجمركية المطبقة والمتعلقة بقواعد المنشأ، معتبرا أن مستقبل القطاع يبقى رهينا بما ستسفر عنه المفاوضات بين المغرب والاتحاد الأوروبي في ما يخص تطبيق قواعد المنشأ على واردات المغرب من الزيوت النباتية، خاصة زيوت الصوجا ذات المصدر الأوروبي.
ويشير إلى أن شروط ولوج سوق زيوت المائدة ضعيفة الجاذبية، وهي سوق تتميز بضعف هوامش الربح على مستوى الإنتاج ووصول السوق مرحلة النضج واستقرار الطلب داخليا، كما أن بنية العرض تتميز بكونها سوق أقلية، تستحوذ لوسيور كريستال لوحدها على نصف حصة السوق الإجمالية نظرا لقوتها التجارية.
وينبه إلى العوامل التي تفضي إلى صعوبة ولوج المستثمرين للسوق، بسبب درجة نضجها التي تتمثل في متوسط نمو سنوي يناهز 1,5 في المائة في الخمسة أعوام الأخيرة، بالإضافة وفورات الحجم التي تميز قطاع زيوت المائدة، ارتباط السوق المحلية بالواردات.
تركيز كبير
ويذهب إلي أن اعتماد المغرب بشكل أساسي على واردات الزيوت النباتية الخام، يجعله عرضة لتقلبات أسعار هذه المواد في السوق الدولية، خاصة أن تكلفة المواد الأولية تناهز ما بين 70 و90 في المائة الكلفة النهائية للمنتوج، وهو ما من شأنه إضعاف هامش تحرك الشركات على مستوى تحديد أسعار بيع زيوت المائدة في السوق الوطنية.
ويشدد على أن بنية سوق زيوت المائدة تعرف مستوى تركيز كبير، إذ أن شركة لوسيور كريستال تستحوذ لوحدها على ما بين 45 و50 في المائة من الحصة الإجمالية، بينما تصل الحصة التراكمية لهذه الشركة وشركة معامل الزيوت بسوس بلحسن إلى 80 في المائة من رقم معاملات السوق الإجمالية.
ينتج عن ذلك، حسب التقرير، ضعف على مستوى دينامية الابتكار والمنافسة داخل السوق، إذ أنه خلال الخمس سنوات الأخيرة، طرحت أربع علامات تجارية جديدة بمعدل أقل من علامة تجارية في العام، بينما سحبت أربع علامات تجارية من السوق.
ويحيل التقرير على التجارب العالمية التي تفيد باحتمال حدوث تنسيق بين الشركات التي تنشط السوق التي تعرف تركيزا مرتفعا داخله، كما أن شفافية الشوق تمكن الفاعلين من معرفة سلوك منافسيهم، خاصة على مستوى الأسعار التي يتم تطبيقها.
ويفيد التقرير أن مستوى العرض والطلب في سوق زيوت المائدة لم يتغير، حيث استقر رقم المعاملات في حدود 6 ملايير درهم، في سوق تحتكره أربع شركات، بالموازاة مع ذلك، تعرف السوق هيمنة التوزيع التقليدي لفائدة المستهلك النهائي، ما يطرح عدة مشاكل على مستوى تحديد الأسعار.
سلوك محلات البيع بالتقسيط
ويسجل أن محلات بيع بالتقسيط تعمد إلى تطبيق أسعار بيع زيوت المائدة المعلنة من طرف الشركة الرائدة على باقي منتوجات زيوت المائدة الموزعة من قبل الشركات المنافسة، ملاحظا أن تلك المحلات تطبق الزيادات بطريقة آنية، بينما تؤخر تطبيق التخفيضات لحين انقضاء احتياطها من زيوت المائدة التي تم توريدها قبل تغيير الأسعار.
ويستنتج التقرير أن محلات البيع التقليدية تحقق، نتيجة هذه الوضعية، هوامش ربح مريحة وتحرم المستهلك النهائي من الاستفادة من التخفيضات التي يعلنها المنتجون، في الوقت نفسه، لا تمكن هذه الوضعية المنتجين من التنافس في ما بينهم لعدم قدرة هؤلاء على التحكم في أسعار البيع المطبقة على المستهلك النهائي.
ما دور السوق الدولية؟
ويذكر التقرير بالارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار الزيوت النباتية الخام في السوق الدولية مع بدأ مرحلة تخفيف القيود الصحية المرتبطة بالجائحة، ففي شهر ماي الماضي، بلغ سعر الطن من الزيوت الخامة لحبوب الصوجا أكثر من 1600 دولار أمريكي بنسبة ارتفاع في حدود 196 في المائة، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
وتزامن ذلك مع ارتفاع أسعار النقل الدولي والطاقة في السوق الدولية، واللذان يشكلان عنصرين مهمين في تكلفة المواد الأولية الزيتية، في الوقت نفسه، يتحدث التقرير عن ترابط قوي بين أسعار زيوت المائدة المطبقة في السوق الوطنية وأسعار المواد الأولية في السوق الدولية.