مجتمع

خبراء مغاربة يحذرون من استمرار الاستغلال المفرط للمياه

حذر خبراء مغاربة في مجال الماء من استمرار الاستغلال المفرط للموارد المائية الذي ساهم في تعميق أزمة ندرة المياه بمختلف مناطق المملكة، خاصة في ظل التقلبات المناخية المسجلة في السنوات الأخيرة، داعين إلى تعزيز إطار الحكامة، باعتبارها أولوية لضمان الإدارة الفعالة للموارد المائية سواء من حيث العرض أو الطلب.

أصدر فريق من خريجي معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، يتكون من حوالي 30 خبيرا، كتابا أبيض يسلط الضوء على العجز المائي الذي يعاني منه المغرب والذي يهدد استدامة الموارد المائية والمساواة في الوصول إليها من قبل كافة المواطنين، كما يقدم الكتاب حلولا بديلة من شأنها حماية هذه الموارد والحفاظ عليها.

ضعف مستمر في التساقطات المطرية

وفي هذا الإطار، أكد أحمد الهوتي، مهندس زراعي مختص في الهندسة القروية وعضو المجموعة المكلفة بالماء لخريجي معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، أن الكتاب الأبيض يتمحور حول أربعة محاور ذات أهمية في مجال الماء؛ يتعلق أولها بالموارد المائية، والثاني بتعبئة الموارد المائية وتدبير العرض المائي، والثالث بتدبير الطلب المائي، ثم الرابع بالحكامة الجيدة في قطاع الماء.

وأضاف الهوتي، في تصريح لـSNRTnews، أن كل محور من هذه المحاور يشخص الوضع الراهن للموارد المائية ويقدم حلولا بديلة من شأنها المساهمة في تجاوز بعض النواقص التي يشهدها القطاع، وذلك تجاوبا مع مضامين الخطاب الملكي السامي الأخير بمناسبة افتتاح السنة التشريعية، والذي أشار فيه جلالته إلى أن “الحالة الراهنة للموارد المائية، تسائلنا جميعا، حكومة ومؤسسات ومواطنين، وتقتضي منا التحلي بالصراحة والمسؤولية”.

وأبرز المهندس الزراعي أن خطورة إشكالية الماء تتجلى في تسجيل ضعف مستمر في التساقطات المطرية يقدر بحوالي 20 في المائة في السنوات الست الأخيرة، والذي من المرتقب أن يصل إلى 35 في المائة في أفق سنة 2050.

وأشار، في السياق ذاته، إلى أن الموسم الفلاحي 2021-2022 شهد جفافا حادا، إذ وصل عجز التساقطات إلى 50 في المائة كمعدل سنوي، ونتيجة هذا العجز، يضيف الهوتي، تم تسجيل ضعف حاد في الموارد المائية السطحية ما أثر على مخزون السدود الذي لم يتجاوز 26 في المائة في صيف 2022.

ولتجاوز هذا الوضع، يرى الخبراء الذين سهروا على إعداد الكتاب الأبيض الموجه إلى مختلف الهيئات السياسية المسؤولة على القطاع، أنه بات من الضروري “وضع استراتيجية مائية شجاعة وسياسة إرادية من شأنها إيقاف هذا الوضع حفاظا على أمننا المائي والغذائي والبيئي والتفكير جديا في ما سنخلفه للأجيال القادمة في هذا المجال”.

وأكدوا، في هذا الإطار، على “ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، في كل برامج التنمية، بأن الجفاف ظاهرة هيكلية وليس موسمية أو عابرة، خاصة في ظل التقلبات المناخية التي يشهدها العالم”.

مرصد وطني خاص بالماء

كما دعا خبراء الماء إلى وضع مرصد وطني يتعلق بجمع جميع المعلومات المتعلقة بالماء ووضعها رهن إشارة الباحثين ومستعملي الثروة المائية، مع إعطاء أهمية قصوى للبحث العلمي في كل ما يتعلق بالمناخ والماء، فضلا عن تطبيق نظام محاسبة المياه على صعيد الأحواض المائية.

وفي ما يتعلق بتحسين إدارة العرض والطلب، شددت المجموعة المكلفة بالماء على ضرورة توعية الجمهور بأن إمكانية زيادة العرض محدودة للغاية وأنه من الضروري حاليا مطابقة الطلب مع موارد المياه المتجددة المتاحة.

ودعت إلى تحسين برنامج بناء السدود الكبيرة والصغيرة الجديدة من خلال استهداف تلك التي تتمتع بكفاءة معينة، وربحية اقتصادية مؤكدة، والحد الأدنى من التأثيرات الاجتماعية والبيئية السلبية، وإتاحة دراسات التبرير الاقتصادي والآثار المتعلقة به للجمهور.

ومن بين المقترحات التي ركزت عليها المجموعة في كتابها الأبيض، الذي اطلع عليه SNRTnews، تشجيع تحلية مياه البحر بشكل أساسي لتزويد مياه الشرب ثم لري المحاصيل ذات القيمة المضافة العالية جدا في المناطق التي تتوفر على مزارعين قادرين على دفع تكلفة المياه المحلاة.

وتم، كذلك، التشديد على أهمية إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة في ري المساحات الخضراء، كما هو معمول به في مدينة الرباط، وتحديد الإطار المؤسس والمالي لتحسين مستويات المعالجة لإعادة الاستخدام في الزراعة.

حكامة جيدة

وختم خبراء الماء توصياتهم بالتأكيد على أهمية تحسين الحكامة عبر “تسريع إصدار النصوص التنفيذية المفقودة من القانون 36-15 المتعلق بالماء، وضمان التطبيق الصارم لجميع أحكام هذه النصوص، وهو الأمر الذي يتطلب بناء قدرات كبيرة لمديريات الأحواض المائية”.

كما أوصت المجموعة، التي تطالب بفتح نقاش بناء حول مخرجات الكتاب الأبيض، بتوضيح مسؤوليات المؤسسات المعنية بقطاع المياه ومواءمة استراتيجيتها عبر الفصل بين مهام تحديد السياسات والمهام التشغيلية الخاصة ببناء وإدارة البنية التحتية، بالإضافة إلى إعادة تنشيط هيئات التشاور والتنسيق وفرض تقييم الآثار على الموارد المائية على كل المشاريع الاستثمارية الكبرى العامة والخاصة، مع وضع آليات فعالة للمراقبة.

يشار إلى أن مجموعة خريجي معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة أسست سنة 2018 قصد دراسة الإشكاليات المتعلقة بالقطاع الفلاحي بالبلاد، وانبثقت عن هذه المجموعة، وفق تصريح أحمد الهوتي، مجموعات فرعية تختص كل واحدة منها بقطاع من القطاعات؛ إذ “تكلفت المجموعة الخاصة بالماء بإنجاز هذا الكتاب الأبيض، والذي ساهم فيه حوالي 30 خبيرا أغلبهم من خريجي المعهد الذين راكموا تجارب في مجالات البحث العلمي والتكوين الأكاديمي وإنجاز دراسات متعلقة بقطاع الماء”. 

Exit mobile version