دوليسياسة

تقارير تؤكد تورط قوات فاغنر الروسية في الصراع السوداني

حرصت روسيا منذ الأيام الأولى على تفجر الاشتباكات في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع على تجنب اتخاذ موقف يُظهِر أنها تدعم طرفاً على حساب آخر بحجة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، على أمل مواصلة علاقاتها مع الطرف المنتصر أيا كان لتحقيق أهدافها وأغراضها.

لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن لموسكو حساباتها وتفضيلاتها، فيما تشي تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أول من أمس الثلاثاء، بشأن “حق” السودان في الاستعانة بخدمات مرتزقة “فاغنر” بأن المجموعة التي تتواجد أصلاً في البلاد، وتربط قيادتها علاقات وثيقة بقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قد تتجه للتورط بشكل واسع في الحرب، إذا طال أمدها وفشلت المفاوضات بشأن التوصل إلى اتفاق دائم لوقف النار.

تورط “فاغنر” في السودان
وأبدت بلدان أوروبية عدة في الأيام الأخيرة قلقاً بالغاً بعد تقارير عن تورط “فاغنر” في حرب السودان، خصوصاً أن للأخيرة مصالح لن تفرط فيها بسهولة بعدما وجدت لها موطئ قدم في البلاد يعود إلى عام 2017.

والاثنين الماضي، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: “نشعر بقلق بالغ لوجود مجموعة (مؤسس فاغنر يفغيني) بريغوجين، مجموعة فاغنر، في السودان”، مضيفاً أن “فاغنر” النشطة في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والمشاركة في الغزو الروسي لأوكرانيا: “تجلب معها أينما تحركت المزيد من الموت والدمار”.

بدوره، حذّر وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو من استفادة “فاغنر” من الحرب الدائرة في السودان، مضيفاً في تصريحات صحافية الإثنين أيضاً، أنه “ليس من العدل أن يغادر جميع الأجانب السودان في هذه الظروف. إذا غادرنا، فإننا نترك أيضاً بعض المجال لقوات فاغنر وروسيا”.

صادق بوتين على إنشاء قاعدة روسية في السودان في 2020

وفي أول رد مباشر من لافروف على الاتهامات الغربية بتورط مجموعة بريغوجين المعروف باسم “طباخ الكرملين” في أحداث السودان، لم يؤكد أو ينفي الوزير الذي زار الخرطوم في فبراير/شباط الماضي، مشاركة “فاغنر” في الصراع على السلطة في السودان إلى جانب أي من الطرفين.

وقال لافروف، مساء الثلاثاء، إن “فاغنر شركة عسكرية خاصة”، مشدّداً على أنه “يحق لجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والسودان وعدد من البلدان الأخرى التي تلجأ حكوماتها وسلطاتها الشرعية إلى مثل هذه الخدمات، أن تفعل ذلك”.

وانتهز لافروف الفرصة لتوجيه انتقادات لاذعة للسياسات الغربية عامة والأميركية بشكل خاص في القارة الأفريقية. وقال إن “السودان كان دولة موحدة قبل تقسيمها إلى السودان وجنوب السودان”، معتبراً أن “كل شيء حصل أمام أعيننا، وجعل الزملاء الأميركيون تقسيم السودان إلى قسمين أحد أولوياتهم في السياسة الخارجية. التفتوا إلينا لنقنع الرئيس حينها (عمر) البشير بالموافقة على اتفاق حول الحق في الانفصال. بصراحة، دافعنا عن أن يقرر شعب السودان بنفسه”.

وحمّل لافروف السياسات الأميركية مسؤولية تقسيم السودان، متهماً واشنطن بعدم تقديم الدعم للدولتين للتعايش وتطوير الاقتصاد وضمان رفاهية المواطنين، والعمل بدلاً من ذلك على فرض عقوبات على قيادات البلدين. وخلص الوزير الروسي إلى القول إن هذه “الهندسة الجيوسياسية لا تفضي إلى خير”، مشدّداً على ضرورة منح الفرصة للأفارقة في التوصل إلى اتفاقات من دون أي إملاءات أو مطالب خارجية.

ومنذ بداية الأحداث الأخيرة في السودان، سعت روسيا إلى تأكيد عدم انحيازها إلى أي طرف. وبعد يومين على بدء الاشتباكات في 15 إبريل/نيسان الحالي، دعت وزارة الخارجية الروسية، جميع الأطراف المشاركة إلى “إظهار الإرادة السياسية وضبط النفس واتخاذ خطوات عاجلة نحو وقف إطلاق النار”.

وأضافت الوزارة في بيان أن “أي خلافات يمكن تسويتها من خلال المفاوضات”. وجددت موسكو موقفها مساء الثلاثاء أثناء اجتماع مجلس الأمن، إذ قالت على لسان نائبة الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة، آنا يفستيغنييفا: “نحث الأطراف المتصارعة على التصرف بإرادة سياسية واتخاذ خطوات فورية لوقف إطلاق النار… نعتقد أن أي خلافات يمكن تسويتها على طاولة المفاوضات”.

رصد
أي دور لمجموعة “فاغنر” الروسية في اشتباكات السودان؟
وشددت على أن “روسيا ترغب في تأكيد استعدادها الثابت لمواصلة مساعدة السودان الصديق، في التغلب على التحديات الحالية والعودة إلى مسار السلام والتنمية المستدامة”.

وتحتفظ روسيا بعلاقات طيبة مع طرفي الصراع؛ رئيس مجلس السيادة الانتقالي، قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021 رفضت روسيا إدانة انقلاب قادة الجيش السوداني على المكون المدني وحلّ المجلس السيادي ومجلس الوزراء، معطلة، بالتشارك مع الصين، صدور موقف قوي من مجلس الأمن الدولي، مما يكشف دعم روسيا للانقلاب بوضوح.

ورفضت روسيا حينها تسمية حل المجلس السيادي انقلاباً، وقال نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي: “من الصعب القول ما إذا كان ذلك انقلاباً أم لا…”. وفي تجاهل واضح للموقف الواضح الذي أطلقه المتظاهرون وصفّ واسع من المكون المدني والوزراء السابقين، قال الدبلوماسي الروسي إن “الشعب السوداني يجب أن يحدد بنفسه ما إذا كانت الأحداث في بلاده انقلاباً أم لا”.

في أكتوبر/تشرين الأول 2021 رفضت روسيا إدانة انقلاب قادة الجيش السوداني على المكون المدني وحلّ المجلس السيادي ومجلس الوزراء

وفي مسعى لتحميل المتظاهرين جزءاً من المسؤولية، قال بوليانسكي: “يجب وقف العنف من قبل جميع الأطراف، وأرى أن ما يحدث لا يقتصر على الاحتجاجات السلمية فحسب، بل تحدث احتجاجات يتخللها العنف أيضاً”.

وكعادتها سعت الخارجية الروسية حينها إلى تحميل الأطراف الخارجية مسؤولية تدهور الأوضاع، وقالت في بيان: “أدى التدخل الأجنبي واسع النطاق في الشؤون الداخلية للبلاد إلى فقدان ثقة مواطني السودان في السلطات الانتقالية، مما تسبب في اندلاع احتجاجات متكررة وأثار حالة من عدم الاستقرار العام في البلاد”.

ولم يهمل البيان حينها التشديد على أن “روسيا ستواصل احترام خيار الشعب السوداني الصديق وتقديم كل المساعدة اللازمة له”. وعلى الرغم من تأكيدها الوقوف على مسافة واحدة من الطرفين في الحرب الدائرة، بدا واضحاً أن موسكو تجنبت الاصطفاف بشكل واضح، رغبة في تحقيق أكبر استفادة ممكنة، وإطلاق عبارات “حمالة أوجه” وقابلة لتأويلات مختلفة، من أجل دعم الطرف المنتصر في النهاية.

ومصلحة موسكو مرتكزة على أساسين: الأول بقاء الجيش في السلطة لاستكمال بناء القاعدة البحرية في بورتسودان على البحر الأحمر وضمان الاستثمارات الروسية في مناجم الذهب والتعدين واستمرار صفقات الأسلحة.

ففي مايو 2019، كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين. وصادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 على إنشاء قاعدة بحرية في السودان قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية.

ولاحقاً نشرت الجريدة الرسمية الروسية نص الاتفاقية حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، لـ”تعزيز السلام والأمن في المنطقة”.

وتتضمن الاتفاقية استيعاب 300 عسكري ومدني. ويمكن لهذه القاعدة استقبال أربع سفن حربية في وقت واحد، وتُستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية. والأساس الثاني لروسيا، تقليص النفوذ الغربي في السودان، وهو ما تحقق في 2021، عبر إبعاد رئيس الوزراء في حينه، عبد الله حمدوك عن المشهد، ما يمثل إزاحة لعقبة كبيرة من طريق بناء “علاقة صداقة” مع السودان، لأن حمدوك يُنظر إليه روسياً كسياسي موال للغرب.

السودان.. نقطة ارتكاز روسية
كما تهدف روسيا أيضاً إلى المحافظة على السودان كأحد نقاط الارتكاز الروسية في شرق القارة الأفريقية، من أجل توسيع وجودها، ضمن تكتيكات ومناورات سياسية مقتبسة من تجربة إسرائيل في استغلال الأزمات والحروب الأهلية في أفريقيا، بغية زيادة النفوذ الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي.

وتحدثت تقارير أن موسكو تدعم قائد قوات الدعم السريع حميدتي في الصراع الدائر حالياً، وذكرت وسائل إعلام عدة أنه تم تزويد قوات حميدتي بأسلحة ومعدات من جنوب شرقي ليبيا، من مناطق يسيطر عليها اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، وتنشط فيها مجموعة “فاغنر”.

وعلى الرغم من نفي المجموعة وحميدتي أي دور لـ”فاغنر” في القتال، فإن شبكة “سي أن أن” الأميركية نقلت عن مصادر دبلوماسية سودانية وإقليمية في الأيام الماضية، أن المجموعة “تزود قوات الدعم السريع بالصواريخ للمساعدة في قتالها ضد الجيش”.

وحسب هذه المصادر، فإن “فاغنر زودت قوات حميدتي بصواريخ أرض ـ جو عززت بشكل كبير قدراتها القتالية”. ويبدو أن خيارات موسكو أقرب إلى دعم حميدتي، نظراً إلى توجس روسي من خلفية البرهان الدينية الأقرب إلى فكر “الإخوان المسلمين”.

Getty-A Ariab worker watches a belt carrying e
رصد
هكذا تسرق “فاغنر” الروسية ذهب السودان وتشارك في قمع ثورته
وينطلق عدد من الخبراء الروس من أن كلا الرجلين موافقان على بناء القاعدة البحرية الروسية، لكنهما بانتظار عودة الدولة المدنية وتصويت البرلمان لاستكمال الجوانب القانونية، غير أن الميل إلى حميدتي ينطلق من امتلاكه “إمبراطورية اقتصادية” وعلاقات متينة مع بريغوجين، التي يمكن أن تضمن استمرار عمل الشركات الروسية في مجال التنقيب عن اليورانيوم والذهب والنفط.

كما أنه من غير المستبعد أن روسيا تفضل حميدتي نظراً لأنه زار موسكو في نهاية فبراير/شباط 2022، والتقى لافروف ورئيس مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، وأعرب عن دعمه الكامل لروسيا في حربها على أوكرانيا، إضافة إلى اهتمامه بمواصلة التعاون في مجال استغلال مناجم الذهب مع الطرف الروسي، وتدريب قواته وتزويدها بالأسلحة.

وفي عام 2019 أفادت تقارير غربية بوجود علاقات قوية بين شركة “ميروي غولد” التابعة لبريغوجين وحميدتي، في مجال استثمار مناجم الذهب وتصدير إنتاجها للخارج، ولاحقاً أُدرجت الشركة في قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي.

فاغنر وحمّى الذهب
وبدأت شركة “فاغنر” نشاطاتها في السودان منذ عام 2017، والأرجح أن حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير منحت شركات تابعة لبريغوجين عقودا للتنقيب عن الذهب أثناء زيارة البشير لموسكو في ذلك العام، عبر اتفاقات بين وزارة التعدين والبترول السودانية وشركة “إم إنفست” التي فرضت عليها وزارة الخزانة الأميركية عقوبات، علما أن “إم إنفست” هي الشركة الأم لشركة “ميرويغولد” العاملة حتى الآن في السودان.

وتوفر “ميرويغولد” الآليات والمعدات الخاصة باستخراج الذهب من الصخور والجبال في المناطق النائية لمقاولين سودانيين، وتتولى هذه المهمة مقابل نسبة متفق عليها بين الطرفين. وحسب موقع “بي بي سي” باللغة الروسية، فإن حكومة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك راجعت عقود الشركة الروسية وعرضت عليها عقودا جديدة ارتفعت فيها حصة الحكومة إلى الثلث، لكن جهات في مجلس السيادة العسكري عطلت المضي في الاتفاق.

يستثمر بريغوجين وحميدتي مناجم الذهب في السودان

ومنذ عام 2017، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو قيل إنها لتدريبات لعناصر الجيش السوداني على يد مدربين من شركة “فاغنر”.

وفي يوليو 2021، نشرت قناة تابعة لمجموعة “فاغنر” على “تيليغرام” صورا قالت إنها لتسليم أوسمة تذكارية وشهادات لجنود سودانيين تلقوا تدريبات على يد “فاغنر”، ونشرت القناة أيضا مقاطع فيديو لتدريبات مظليين سودانيين على الهبوط المظلي بإشراف مدرب من “فاغنر”.

وفي عام 2019، ذكرت وزارة الخزانة الأميركية في تقرير أن “فاغنر” كانت منخرطة في السودان و”تنفذ عمليات شبه عسكرية، تساعد في الحفاظ على نظام استبدادي واستغلال الموارد الطبيعية”.

ونقلت “بي بي سي” باللغة الروسية في تقرير على موقعها يوم الإثنين الماضي عن جوانا دي ديوس بيريرا، من معهد أبحاث الدفاع الملكي البريطاني، قولها “في البداية، في عام 2018، كان هناك حوالي 100 شخص قاموا بتدريب الجيش السوداني، ومن ذلك تطورت العلاقة”، مشيرة إلى أن العدد ارتفع لاحقا إلى قرابة 500 تمركز معظمهم في بلدة أم دفوق في جنوب غرب البلاد بالقرب من الحدود مع جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تنشط “فاغنر” أيضا في مجال التنقيب عن الأحجار الكريمة وتدريب القوات المسلحة في تلك الجمهورية.

ووفقًا لصمويل راماني، مؤلف كتاب عن أنشطة الروس في أفريقيا، فإن مجموعة “فاغنر” الإعلامية قادت حملة دعائية لدعم البشير، وقامت مواقع محسوبة على بريغوجين باتهام المتظاهرين بالعمالة لإسرائيل والمعاداة للإسلام، على خلفية موقف الخارجية الروسية الذي كان ضد الانقلاب على البشير في بداياته، لكن بريغوجين عاد ودعم الجنرال عبد الفتاح البرهان.

وحسب راماني، فإن “فاغنر” عززت علاقاتها عامي 2021 و2022 مع قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، نظرا لأن بريغودين وداعميه في السلطة الروسية مهتمون أساسا بالأرباح الكبيرة من تجارة الذهب التي تقع تحت سيطرة حميدتي.

Exit mobile version