اراءثقافة وفن

الشيخ بلا يكتب .. إيض يناير واحتفالية تيفلوين بتيزنيت من شغف الاحتفال إلى التطلع لصناعة ثقافية واعدة

لم يكن ممكنا مرور الاحتفاء بـ”إيض يناير” رأس السنة الأمازيغية لهذا العام 2974 الموافق لـ1445 هـ و2023 م، دون استحضار المطالب التي رفعتها الديناميات المدنية والسياسية والثقافية المختلفة على مدى عقود، والتفاعل الهادئ والرصين معها من قبل الدستور وما ورد به من مقتضيات معززة ومعترفة بالبعد الأمازيغي للهوية الوطنية، ومن قبل المؤسسات الرسمية المعنية بإحقاق التنوع اللغوي والثقافي، والمحافظة على الحقوق الضاربة في عمق التاريخ، والغنية بموروثها الشفهي والثقافي ومكونها التراثي. 

​فقد شهد المغرب، حدثا كبيرا بإعلان المؤسسة الملكية عن إقراررأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرممن السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية، وهو الحدث الذي صفقت لها لفعاليات الوطنية بمختلف مشاربها، وتفاعلت معه الحكومة إيجابا عبر مراسيم وإجراءات عملية تهم المؤسسات والإدارات العمومية والمقاولاتالصناعية والتجارية، والمهن الحرة والاستغلالات الفلاحية والغابوية، وغيرها.

​ولعل التعبيرات التي تلت هذا الاعتراف العلني والرسمي، رسخت صورة المغرب المتعدد، وفتحت آفاقا رحبة للتفكير النوعي، في خارطة الذاكرة الجماعية، وما تزخر به من تاريخ وتراث وحضارة، وقيم تستحضر البعد الميثولوجي الذي تمتح جوانبه المادية والرمزية من تقاليدنا الأمازيغية العريقة، كما تفتح المجال أمام مناطق معتمة تحتاج لإماطة اللثام عنها، وسبر أغوارها بإعمال منطق “الاستغوار المعرفي” البعيد – كل البعد- عن الإبخاس والإزدراء والإنقاص، والرامي إلى فتح مساحات جديدة للشمس والنور، بغية التثمين والتقدير والاعتراف.   

​إن احتفالية “إيض يناير”، تحتاج لمزيد من البحث والاكتشاف والتنقيب في أبعادها ودلالاتها، كما تحتاج إلى ربطها –وبقوة- بالثقافة والهوية الأمازيغية بغية رسم خارطة طريق ثقافية، ترصد خصوصيات الأمازيغ عبر التاريخ، وتكشف أنماط حياتهم ومعتقداتهم المرتبطة باللغات المحلية واللباس والحلي والأشعار والأهازيج المميزة، كما تبين فرادة الأطباق المحلية وتنوعها (أكلة أوركيمن وتاكلا وبركوكش …)، وغيرها مما يرتبط بفنون العيش والقدرة على التكيف مع متغيرات الطقس، سواء في فترة الشتاء المطيرة، أو في مرحلة الصقيع الشديد، أو إبان الفترات العاصفة، وغيرها من الفترات التي تشير إليها قصص الأجداد خاصة عند تخزينهم للمؤونة، استعدادا لأوقات الشدة.  

وبناء عليه، وجب التأكيد على أن رسم خارطة ثقافية بهذه الحمولة التاريخية والتراثية العميقة، من شأنه المساهمة في النهوض بالمجال، عبر إبداع صيغ صرفة للابتهاج والاحتفال والاحتفاء بهذا الموروث المشترك، وما احتفالية “تيفلوين” إلا واحدة من هذه العناوين التي تنبعمن الأرض وتعتز بالهوية، الأمر الذي يفرض علينا جميعا تشجيعهالإبراز مكنون المدينة القديمة لتيزنيت، وأسرارها الكثيرة، بدءا بالعينأقديم (العين الزرقاء) وما يرتبط بها من تراث مائي غني، ومرورا بقصبةأغناج، وتيكمي ن تمازيرت، والفضاءات الخضراء الممتدة على مساحة90 هكتارا، والمتمثلة في “تاركا أوسنكار” التي اخضرت بسواعدالرجال، وحافظت على رونقها وأصالتها بجوار السور التاريخيالعتيق، المزين بالأبراج، والمرصع بأبواب تيزنيت المطلة على مساراتالإقليم الرئيسية، من تافراوت وأولاد جرار وسيدي إفني، إلى أكلووالمعدر الكبير. 

ومن نافلة القول، الإشارة إلى أن احتفالية “تيفلوين” بما تحملهمن دلالات وأبعاد، خرجت من رحم المدينة القديمة لتيزنيت، وظلت وفية لمسارها الممتد من ساحة المرس، وساحة الجامع الكبير مرورا بساحة العين أقديم، وحي تبوديبت وإكي نتفلوين وكافة الأزقة المجاورة (ألبيض، إمي القصبة، درب إرعمان، زنقة إدبوالفال، درب المطامير، المرس، تغولت نتكمي، تغميت إلاسن، ساحة إضلحا…)، وهو المسارالغني بفضاءاته المدنية الأخاذة، أذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر”فضاء أسرير، فضاء رياض الجنوب، ركن الأمازيغ، فضاء واعزيز، فضاء الخمس نخلات، فضاء البلاند، متحف أغوليد، بالاضافة إلى(espace a l’ombre du figuier)، وكذا (espace riad le lieu)، وفضاءاته الدينية (الجامع الكبير، مسجد إداكفا، مسجد أيت محمد، المدرسة الحسنية للتعليم العتيق، مدرسة أيت محمد العتيقة)، وفضاءاته التربوية (مدرسة 18 نونبر، ومدرسة الوفاء)، علاوة على الأضرحة المبثوثة بالمسار (ضريح سيدي علي أولحسن، ضريح سيدي الظاهر، ضريح، سيدي يعقوب، ضريح لالة رقية علي اوحماد، ضريح سيديبوجبارة، ضريح سيدي عبدالرحمان، ضريح إبا رقية عبد الرحمان…)، والزوايا الصوفية (الزاوية الناصرية، الزاوية الدرقاوية…) وغيرها منالفضاءات التي تبرز التنوع والغنى، دون أن ننسى العنصر البشريالذي يشكل قطب الرحى بالمدينة السلطانية. 

ولعل المتأمل في مشروع ثقافي تراثي من هذا الحجم، يدرك بما لايدع مجالا للشك، أن “إض يناير” ليس إلا ذريعة محمودة لإبراز خفاياالمدينة العتيقة، وفرصة لإظهار خبايا “تاركا” كمتنفس بيئي ملاصقلها، ووسيلة لا غاية لتشجيع الساكنة والفعاليات المختلفة علىالاستثمار في الثقافة والتراث، باعتبارهما وسيليتين هامتين فيالتعاطي مع صناعة ثقافية مستقبلية واعدة، تدرك ماهية المجالومقوماته، وتساهم في تسويقه في الآفاق بإمكانات ذاتية وبتفاؤلمنقطع النظير، تماما كما يتفاءل الأمازيغ بقدوم سنة فلاحية جديدة، وبالتقويم الفلاحي الذي يضبط إيقاع الزراعة والسقي والغرس.

  إن “احتفالية تيفلوين”، فرصة لنا جميعا، مسؤولين ومدبرين ونسيجمدني وتعاوني، وفعاليات مهتمة، لتعزيز التقائية البرامج الثقافيةوالتراثية والتنموية، التي تمتح من برنامج عمل جماعة تيزنيت، وبرنامجتنمية الإقليم، وبرنامج التنمية الجهوي، فضلا عن برامج القطاعاتالخارجية المعنية، والمؤسسات الجمعوية ذات العلاقة بالسياحة والثقافةوالتراث، وذلك وفق تصور واضح وناضج، يراعي ما تزخر به المدينةالقديمة من مقومات تحتاج إلى مواكبة مؤسساتية معقلنة، وتسمحبانخراط جميع المبادرات، بشكل يضمن التعاطي مع مشروع المدينةالقديمة، كمشروع واحد متكامل، وكقطب رئيسي يمكنه النهوض بالمدينة كلها، بل بالإقليم كله، بالنظر إلى الارتباطات القوية لساكنة الإقليمبالمدينة، وقدرة المسارات السياحية والثقافية والتراثية كما نتصورهاعلى جلب مشاريع استثمارية تكشف وتثمن مكنون المدينة والإقليم.

فهل نلتقط الإشارة، ونعمل جميعا على تثمين المجهود وزرع الثقة، وتعزيز اسم تيزنيت كوجهة وطنية ودولية، أم سنظل حبيسي أهواءوارتسامات وأحكام قيمة لا تشكل شيئا في مقابل مشروع تنمويواضح المعالم، يتطلع لصناعة ثقافية واعدة…. إنه مجرد سؤال؟

مواضيع ذات صلة
اراء

لحسن السعدي .. قصة كفاح شاب من الهامش

ثقافة وفن

السهرة الختامية لملتقى إنمودَّا تستقطب أكثر من 6000 متفرج

ثقافة وفن

فيستيفال تيفاوين: حضور قياسي في سهرة الغافولي وإمغران ناهز 30 الف متفرج

النشرة الإخبارية
اشترك الآن لمعرفة آخر الأخبار