كان صوت الاعتدال والحرص على اللحمة الوطنية حتى في أصعب الظروف وأدق لحظات الصراع السياسي
رحل اليوم إلى دار البقاء الأستاذ عبد الواحد الراضي، بعد مسار طويل في خدمة الوطن بكل تفان وإخلاص.
وبرحيل هذه القامة الكبيرة، يفقد المغرب شخصية تركت بصماتها في المشهد السياسي الوطني على امتداد أكثر من 60 سنة، حيث كان له حضور لافت ومؤثر في التأسيس للحركة الطلابية في الداخل وفي الخارج، علاوة على أدواره الطلائعية كأحد قياديي الحركة الاتحادية، ممثلة في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم فيما بعد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلا أن ما ميز مسار الفقيد كونه كان دائما يجسد صوت الاعتدال والحرص على اللحمة الوطنية حتى في أصعب الظروف وأدق لحظات الصراع التي عرفها المغرب في العقدين الثانيين بعيد الاستقلال.
سمة أخرى طبعت مسار الأستاذ الراضي، وتتمثل في حرصه على ممارسة الفعل السياسي من باب ترسيخ مجتمع العلم والمعرفة، إذ نجح في المزاوجة بين دور السياسي وقبعة المفكر والفيلسوف، مما أكسب عطاءاته السياسية المتعددة صفة النبل، سواء من خلال المهام التي تولاها في الحكومة أو في إطار المؤسسة التشريعية كقيدوم ورئيس لمجلس النواب، علاوة على إسهاماته في مجال الدبلوماسية الموازية في العديد من المحافل البرلمانية الإقليمية والدولية.
وقد اكتشفت في شخصية الأستاذ عبد الواحد الراضي، من خلال معايشتي له من موقعي في الحكومة وفي البرلمان، ذلكم الإنسان الحكيم والرصين، المؤمن بقيم التعدد والاختلاف، والحريص على التوافقات كلما تعلق الأمر بالمصلحة العليا للوطن، وتلك من شيم وخصال رجال الدولة الحقيقيين.
في هذا الرزء الجلل الذي لا راد لقضاء الله فيه، لا يسعني إلا أن أقول عزاؤنا واحد، لأن فقدان رجل من هذا الحجم ليس فقط خسارة لأسرته الصغيرة وعائلته السياسية في الاتحاد الاشتراكي، ولكنها خسارة للشعب المغربي كافة.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته وأجزل له الأجر والثواب على ما قدمه من خدمات جلى لوطنه، وألهمنا وذويه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.